بسم الله الرحمن الرحيم
((قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون)).
[(سورة المؤمنون: الآيات 1 – 3).
هل (الغناء) مضر حتى يحرمه الإسلام؟
وإذا كان مضراً، فهل ضرره أكثر من ترويحه عن الأعصاب؟
وماذا عن الأغاني الأخلاقية... والموسيقى الروحية... التي تنمي الفضيلة في المستمع؟
قد لا نحتاج إلى الحوار حول كل ذلك، في القناعة بحرمة (الغناء)، وإنما يكفي أن ندرس: (فلسفة وجود الإنسان) في الدنيا، فإذا عرفنا أن الله أتى بالإنسان إلى هذه الحياة، للقيام بتمارين معينة، تبلور جوهره وتنميه، فكل عمل يندمج في تلك التمارين، فهو واجب أو مستحب، وكل عمل يناقض – ولو قليلاً – تلك التمارين، فهو حرام أو مكروه.
كما أن الموظف، يؤتى به إلى مكتبه، لأداء أعمال معينة، واستقبال الضيوف عمل اجتماعي مستحب، ولكن: استقبال الموظف للضيوف في مكتبه، عمل ينافي مسلكية الوظيفة، فيعتبر إهمالاً يعاقب عليه.
فعلينا: أن لا نقيم العمل بمفرده، وكأنه عينة نحللها بموضوعية، وإنما يلزم أن نقيمه في وضع الإنسان، الذي جيء به إلى هذه الحياة، لأداء وظيفة معينة: فكل ما يخدم تلك الوظيفة، فهو حسن. وكل ما يلفي تلك الوظيفة، فهو قبيح.
ولذلك: عندما يعرض القرآن الخمر والميسر، يعترف بأن فيهما منافع للناس، ولكنه يضيف بأن إثمهما أكبر من نفعهما، فيقول:
((يسألونك عن الخمر والميسر، قل: فيهما إثم كبير، ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما...))، فمجرد المنافع لا يصلح دليلاً للحكم عليها إيجابياً. كما أن القرآن يعترف – في معرض الحديث عن بعض الامتحانات – بأن فيها نقصاً في: الأموال، والأنفس، والثمرات، ولكنه يضيف: وبشر الصابرين، لأنها مضرات يلزم تحملها، لأداء وظيفة الإنسان في الحياة، فيقول:
((ولنبلونكم بـ: شيء من الخوف، والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك: عليهم صلوات من ربهم ورحمة. وأولئك: هم المهتدون))، فمجرد المضرات لا يصلح للحكم عليها.
إذن: إنما يلزم دراسة كل شيء من جميع جوانبه، وأهمها: علاقته بهدف الإنسان في الحياة، وذلك: من أجل تقييمه، ثم: الحكم عليه.