استفتاء للسيد السيستاني ( دام ظله ) حول العرفان ومن يدعيه

وهذا البيان و مكتوب


بسمه تعالی
لا شك في انه ينبغي لكل مؤمن العناية بتزكية النفس وتهذيبها عن الخصال الرذيلة والصفات الذميمة وتحليتها بمكارم الاخلاق ومحامد الصفات استعداداً لطاعة الله تعالی وحذراً من معصيته، الا ان السبيل الی ذلك ماورد في الكتاب العزيز والسنة الشريفة من استذكار الموت وفناء الدنيا وعقبات الآخرة من البرزخ والنشور والحشر والحساب والعرض علی الله تعالی، وتذكر اوصاف الجنة ونعيمها واهوال النار وجحيمها وآثار الاعمال ونتائجها، فان ذلك مما يعين علی تقوی الله سبحانه وتعالی وطاعته والتوقي عن الوقوع في معصيته وسخطه كما اوصی به الانبياء والاوصياء عليهم السلام وعمل به العلماء الربانيون جيلاً بعد جيل، وهذا طريق واضح لا لبس فيه، ولا عذر لمن تخلف عنه، وانما يعرف حال المرء بمقدار تطابق سلوكه مع هذا النهج وعدمه، فان الرجال يعرفون بالحق ومن عرف الحق بالرجال وقع في الفتنة وضل عن سواء السبيل.
وقد حذر اميرالمؤمنين (عليه السلام) عن بعض اهل الجهل ممن يبتدع بهواه اموراً ويزعم انه من العلماء فيجمع حوله فريقاً من الجهال قائلاً «انما بدء وقوع الفتن اهواء تتبع واحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله ويتولی عليها رجال رجالاً علی غير دين الله، فلو ان الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف علی المرتادين، ولو ان الحق خلص من لبس الباطل لانقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، فهنا لك يستولي الشيطان علی اوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنی».
ومن علائم اهل الدعاوی الباطلة مبالغتهم في تزكية انفسهم علی خلاف ما امر الله تعالی به وتوجيه الآخرين الی الغلو فيهم والاستغناء عن المناهج المعروفة لدی الفقهاء في استنباط الاحكام الشرعية ودعوی الوقوف عليها وعلی ملاكاتها من طريق الامور الباطنية والتصدي للفتيا من غير استحصال الاهلية لها واستغلال المبتدئين في التعليم والتعلم، والموالاة الخاصة لمن اذعن بهم والمعاداة مع من لم يجر علی طريقتهم والوقعية فيمن انسلخ منهم بعد الايمان بهم وسلوك سبل غير متعارفة للامتياز عن غيرهم من اهل العلم وعامة الناس والمبالغة في الاعتماد علی المنامات وما يدّعون ترائية لهم في الحالات المعنوية والتميز في اللبس والزيّ والمظهر عن الآخرين، تمسكاً في بعضه بانه عمل مأثور من غير ملاحظة الجوانب الثانوية التي یقدّرها الفقهاء في مثل ذلك.
ومن تلك العلائم الابتداع في الدين والتوصیة بالرياضات التي لم تعهد من الانبياء والاوصياء (عليهم السلام) والاستناد فيما يدّعی استحبابه الی ماورد في مصادر غير موثوقة تذرعاً بالتسامح في ادلة السنن، وایضاً التأثر باهل الملل والاديان الاخری والتساهل في ما یعدّ ضرباً من الموسيقی والالحان الغنائية المحرمة ووجوه اختلاط الرجال بالنساء، والاعتماد علی مصادر مالية غير معروفة وارتباطات غامضة مريبة الی غير ذلك مما لا يخفی علی المؤمن الفطن.
واننا نوصي عامة المؤمنين وفقهم الله تعالی لمراضيه بالتثبت وعدم الاسترسال في الاعتماد علی مثل هذه الدعاوی، فان هذا الامر دين يدان الله تعالی به، فمن اتبع امام هدی حشر خلفه وكان سبيله الی الجنة ومن اتبع ضلال حشر معه يوم القيامة وساقه الی النار وليتأمل الجميع في هذا حال من كانوا قبلهم كيف وقع الكثير منهم في الضلال لاتـّباع امثال من ذُكر، نسأل الله تعالی ان يجنـّب الجميع البدع والاهواء ويوفقنا للعمل بشرعه الحنيف مقتدين بسيرة العلماء الربانيين انه ولي التوفيق.

والسلام عليكم وعلی جميع اخواننا المؤمنين ورحمة الله وبركاته
28 ربيع الاول 1432 هـ